أما سيدُنا "يُونُسُ" عليه السلامُ فإنه لما خرجَ غاضبًا على قومِه لم يعلم بما حلَّ بهم.
فوصلَ إلى شاطىء البحرِ وركبَ السفينةَ بعد أن أصعدَه أهلُها إليها محبةً وتبرُكًا به إذ كان جميلَ الشكلِ، مليحَ المنظرِ، فصيحَ الكلامِ ورقيقَ الألفاظِ، فلما صَعِدَ رَقَدَ في جانب السفينةِ ثم نامَ، وسارتْ بهم السفينةُ تتخطى الأمواجَ حتى فاجأتهمْ ريحٌ كادتْ تُغْرِقُ السفينةَ، فاجتمعَ رُكابُها ليدعُوا الله تعالى علَّهم ينجُون، وأيقظُوا نبيَّ الله "يونُس" ليدعُوَ معهم، فاستيقظَ ودعا الله عز وجلَّ فرفعَ الله عنهم تلك الريحَ.
ثم انطلقَ إلى مكانِه فنامَ، فجاءت ريحٌ كادَت أن تقطِّعَ السفينةَ، فأيقظَ الناسُ "يونُس" عليه السلام ودَعَوا الله فارتفعتِ الريحُ،
وبينما هم كذلك ظهرَ لهم حوتٌ عظيمٌ قد أطلَّ برأسِهِ إليهم أرادَ أن يبتلعَ السفينةَ، فقال "يونسُ": "يا قومُ، هذا من أجلي، فلو طرحتُمُوني في البحرِ لسِرْتُم ولذهبتِ الريحُ عنكم والخوفُ"، ولم يكن مقصودهُ أن يقتلُوه لأنه يعلمُ أن الله يؤيدُه بالمعجزاتِ الباهراتِ.
قالوا: "لا نطرحُكَ حتى نقومَ بالقُرعةِ، فمن وقعتْ عليه رميناهُ في البحرِ"، فاقترعوا فوقعَ على "يونُسَ"، فقال لهم: "يا قومُ، اطرحوني فمن أجلي أتتكم الريحُ"، فقالوا: "لا نفعلُ حتى نقترعَ مرةً أخرى"، ففعلوا فوقعَ على "يونُسَ" فقال لهم ما قالَه أوَّلَ مرةٍ، حتى انطلقوا به إلى رأسِ السفينةِ ليلقُوهُ في البحرِ، فإذا الحوتُ فاتحٌ فمَه، ثم جاءوا به إلى جانبِ السفينةِ، فإذا بالحوتِ هناكَ، ثم رَجَعوا إلى الجانبِ الآخرِ، فإذا بالحوتِ كذلك هناك فاتحٌ فمَه.
فلما رأى ذلك "يونُسُ" ألقى بنفسِه وهو يعلمُ أن الله سينجِيهِ وأنه لن يموت بهذه الرَّمْيةِ لأنه نبيٌّ كريمٌ، فابتلعه الحوتُ الذي كان مأمورًا أن لا يأكل منه لحمًا ولا يكسِر له عظمًا.
ومكثَ "يونُسُ" في بطنِ الحوتِ أيامًا أربعين، يشقُ به الأمواجَ، ويهوي إلى الأعماقِ، في ظلمات عدَّة: ظُلْمةِ بطنِ الحوتِ وظُلمةِ الليلِ وظُلمةِ الأعماقِ، وكشفَ الله عن سمعِ "يونسَ" فسمعَ أصواتًا غريبة تأتيهِ من الخارج، فأوحى الله إليه أن هذا تسبيحُ أسماكِ البحرِ وحيتانه، فالتجأَ إلى اللهِ تعالى مغيث الملهوفين، ومُعينِ المكروبينَ، واسع الرحمةِ، وقابلِ التوبةِ، فاستجابَ الله دعاءَه، وأمرَ الحوتَ أن يُخرج "يونُسَ" إلى شاطىءِ البحرِ، فألقاه وقد سَقِمَ ومَرِضَ لطولِ مُكثهِ في بطنِ الحوتِ.
ورُويَ أن الحوتَ قذفَ به على ساحلِ قريةٍ من "الموصلِ" بالعراءِ حيثُ لا شجرٌ ولا جبلٌ، وكان مريضَ البدنِ كهيئةِ الفَرخِ الذي ليس عليه ريشٌ أقل شىء يسقطُ عليهِ يؤلمهُ، فَرَحِمَه الله وأنبتَ عليه يَقْطينة أظلَّتهُ وكان لها فوائدُ عديدةٌ منها سُرعةُ نباتِها وتظليلُ ورَقِها لِكِبَرِهِ ونعومتِه، ولا يقربُ منها الذبابُ، وثمرتُها جيدةُ التغذيةِ وتؤكلُ نِيئَةً ومطبوخةً بلبِّها وقِشْرِها.
قال أحدهم واصفًا هذا الحال:
وأنتَ بفضلٍ منك نجَّيت يونسًا وقد باتَ في أضعافِ (1) حوتٍ لياليا
فأنبتَّ يقطينًا عليه برحمة من الله لولا الله أصبحَ ضاويا(2)
(1) أضعاف: جوف
(2) ضاويًا: هزيلاً
وسخَّر الله له "أَرْوِيَّة" وهي أنثى الوَعل الذي هو من فصيلةِ الغزلانِ فكانت تُفْرِجُ له ما بين رجلَيْها فيشرَبُ من لَبَنِها كلَّ بُكرةٍ وعشيةٍ حتى تعافى بإذنِ الله.
ثم أمره الله أن يأتي قومَه ويخبِرَهُم أن الله تعالى قد تابَ عليهم، فذهبَ إليهم وفي الطريقِ لقيَ راعيًا فسألَه عن قوم "يونُسَ" وعن حالِهِم، وكيف هم؟ فأخبره أنهم بخيرٍ، وأنهم على رجاء أن يرجعَ إليهم رسولُهُم، فأتاهم فرحبوا به معتذرينَ إليه، فَكَبُرَ فرحُه لتركِهم عبادةَ الأصنامِ والأوثانِ، وإيمانهم بالله الرحمنِ الموجودِ بلا مكان.
معجزة البراق العجيب
قال تعالى:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
الاسراء 1.
البداية
كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته, فلم يمض وقت طويل على بدء دعوته المباركة حتى عزه ربه بمعجزات أثارت في كفار مكة الدهشة والعجب, وكان لها أثر واضح بين الذين ىمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الذين لم يؤمنوا به. هذه المعجزة هي معجزة الاسراء والمعراج والذي كان البراق من أعاجيبها.
وقبل أن نتحدث عن البراق نسأل أنفسنا عن الاسراء والمعراج ما هو الاسراء؟ ما هو المعراج ؟
الاسراء هو انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم ليلا من مكة الى بيت المقدس, ثم عودته الى مكة في الليلة نفسها. في حين أن هذه المسافة يقطعها الناس في شهر ذهابا وشهر في العودة.
أما المعراج وهو صعوده عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس الى السموات العلا الى سدرة المنتهى حيث أوحى الله اليه ما أوحى, ثم هبوطه الى بيت المقدس في ليلة الاسراء نفسها.
كان لهذه المعجزة الكبرى معجزة الاسراء والمعراج حكايات عجيبة ومواقف طريفة سنسمعها واحدة تلو الأخرى: فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم نائما بجوار الكعبة ذات ليلة أتاه جبريل بدابة بيضاء جميلة أكبر من الحمار وأقل من الحصان انها البراق العجيب.
وقد كانت البراق دابة يركبها الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ركوبها نفرت وهاجت. فصاح جبريل (مه يا براق! يحملك على هذا! فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه).
فاستحيا البراق وهدأت ثورته وسكن مكانه.
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق فكان سيره غاية في السرعة والانسياب فلا اضطراب ولا قلقلة في سيره, مما أشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بالراحة والاطمئنان, فكّانه مستقر على فراش ساكن وسرير ناعم.
وقد ذكر أنه كان من سرعته ما يثير العجب حتى أنه يضع حافره في كل خطوة عند منتهى البصر, وكان دائما مستوي السير فلا يعلو ولا يهبط حتى اذا قابلته عقبة مرتفعة, قصرت رجلاه الأماميتان وطالت الخلفيتان.. واذا قابله واد منخفض طالت رجلاه الأماميتان وقصرت رجلتاه الخلفيتان..!!.. وهكذا توفرت للرحلة معجزات ما بعدها معجزات.
أما جبريل عليه السلام فكان يسير بجناحيه الى جانب البراق مؤنسا ورفيقا للرسول صلى الله عليه وسلم, كانت وجهتهما بيت المقدس حيث يوجد المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
مشهد في الطريق
وفي الطريق تعددت المشاهد وفي هذا المشهد تظهر امرأو جميلة متبرّجة بكل أنواع الزينة, حاسرة على ذراعيها تنادي: يا محمد انظرني أسألك, فلم يلتفت اليها صلى الله عليه وسلم, ثم سار عليه السلام ما شاء الله له أن يسير, فقال جبريل للرسول: أما سمعت شيئا في الطريق؟
فقال عليه السلام:" بينما أنا أسير اذا بامرأة حاسرة على ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد انظرني أسألك! فلم أجبها, ولم أقم عليها..".
قال جبريل: تلك الدنيا, اما أنك لوأجبتها, لو أقمت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة, وأما الشيء الذي ناداك من جانب الطريق فهو ابليس.
ثم قدّم جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم انائين في أحدهما خمر, وفي الآخر لبن, وقال له:
اختر ما شئت, فاختار ؤسول الله اناء اللبن فشربه, وأعرض عن الخمر, ولم تكن الخمر قد حرّمت في الاسلام حينئذ, فلما اختار الرسول اللبن قال له جبريل: هديت الى الفطرة, ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر الله أكبر".
وقد قصد جبريل عليه السلام بهذا أن الخمر كانت في أصلها عصيرا طيّبا أو نقيعا نافعا للبدن؛ ثم تحوّلت عن هذا الأصل الطيب النافع في اللون والطعم والريح وتحول كل هذا من شيء طيب نافع مفيد للجسم والبدن الى عصير خبيث يذهب بالعقل, ويدمّر الجسم, ويفسد الارادة, ويتلف البدن, والأدهى من ذلك كله أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس..
فلو أن الرسول قد شرب الخمر لكان ذلك قبولا منه لشيء صار خبيث, ورفضا لكل ما هو طيب نافع, وتفضيلا للخبيث على الطيب, وهذا لا يقبله منطق رسول الله وعدوته وخلقه الكريم, فهو لا يهوى الخبائث, بل يدعو للطيّب والطاهر وبذلك يثبت عليه السلام على الأصل النافع الطيّب..
واللبن الذي اختاره صلى الله عليه وسلم شراب أصيل لم يتغيّر لونه ولم يتحول الى شراب خبيث يذهب العقول كالخمر, فهو نافع للصحة والبدن, فلما شربه صلى الله عليه وسلم آثر الصالح على الفاسد وهذ سنة الله التي فطر الله الناس عليها, وهي سنن دائمة الوجود باقية بقاء الناس لما فيها من نفع للناس أجمعين, ولذا فقد قال له جبريل عليه السلام: هديت الى الفطرة, فما فعله رسول الله من شربه للبن هو منهج يسير على سنة الله في خلقه, الذين يعيشون الآن على وجه المعمورة والذين خلو من قبل.
المعجزة هي خرق لقوانين الكون, ويؤيد الله سبحانه وتعالى بها رسله.
وقد يخلط الناس بين المعجزة والكرامة, ولكن هناك فرقا بينهما, فرغم أن كل منهما أمر خارق للعادة الا أن المعجزة يظهرها الله على أيدي الأنبياء والمرسلين, أما الكرامة فهي أمر يظهره الله على أيدي بشر غير الأنبياء.
وفي المعجزات عبر وايمان وعقيدة خالصة, وقد وجدت الحديث عنها شائقا مقبولا, فأسأل الله
لي ولكم الأجر والقبول
وسوف نتناول ان شاء الله في هذا المنتدى معجزات الانبياء بشئ من التفصيل ..واتمنى من الكل أن يدلو دلوه لتعم الفائدة للجميع...دمتم بود
تحياتي احساس رسام